الرجل الذي يكره نفسه ..... رواية لــ حنا مينة

الرجل الذي يكره نفسه رواية لــ حنا مينة

في رحلة يمضي حنّا مينة... يمخر عباب النفس... يشرع أبوابها المنغلقة على مكنونات... يسحبها من مكامنها... ليطلقها في ثوب الرمز المتسربل بشكل البومة والعنقاء والوطواط... ليحدث عن الرجل الذي يكره نفسه... ويحيل داخله عالماً يموج بالرموز... بالحوارات... بالمشاهد التي تعكس مهارة قلم مينة وكأنها مبضع جراح... ينكأ الجرح المتقيح ليكشف عما فيه ليظهره... ويطهره. ليندمل دون أن يتقيح من جديد. يفتح مينة آفاقاً على أمراض النفس، وآلام المجتمع... وبالكلمة ينسج عالماً... يموج بالرموز، وبالإيحاءات ليأتي ضمن سرد قصصي رائع وممتع. يحكي حكاية دعبس الفتفوت الذي يكره نفسه

مقتطف من الرواية

كان دعبس الفتفوت يكره نفسه وكان يعرف أنه يكره هذه النفس ويكافح ضده ذلك لكنه يفشل دائماً ومع فشله ينمو هذا الكره حتى صار مع الأيام مرضاً نفسياً يعذبه عذاباً متواصلاً خيل إليه ألا شفاء منه سوي بإيقاف هذا الشعور المخجل إيقافاً تدريجياً وتاماً ولكن بأية وسيلة؟ الجواب كان مربكاً محيراً فالوسيلة إلي ذلك مفتقدة لنقص في القدرة علي منع هذا الشعور من النمو رغم تصميمه علي ذلك ويقينه أن معرفة العلة هي السبيل إلي البدء منها خاصة إذا ما كانت علة غير عضوية وهي نفسية بشكل واضح يعرفها من خلال التحليل النفسي الذي يزعم انه قادر علي مالك لمفتاحه وأن هذا الضرب من المرض يكون خطيراً حين يكون مجهولاً فاذا توصل المريض به إلي معرفته عن طريق محلل نفسي أو بمجهوده الخاص يصبح غير خطير ويصير التخلص منه أيسر لأن النقلة الأولي الأساسية في المعالجة النفسية أن تعرف العقدة ويبدأ العلاج علي مستويين الأول تحليل هذه العقدة ومعرفة مصدرها والثاني أن يكون التداوي بعد هذه المعرفة بالتقوية العضوية بواسطة الحبوب المهدئة والمنشطة وبالتغلب علي الإحساس المرضي بمواجهته وعدم الخوف منه والعمل رويداً رويداً علي الخروج من ربقته بفعل ما هو معاكس له كأن يتكلم المريض إذا ما كان صموتاً ويصمت اذا كان ثرثاراً ويقاوم العزلة إذا ما كان ثمة انكفاء وينشد الوحدة اذا ما كان راغباً عنها ويرتب أفكاره اذا ما كانت مشتتة وينحو في هذا الاتجاه بعزم واصرار من غير تعجل لأن مجاهدة النفس هي الجهاد الأكبر والأطول دائماً.
الرجل الذى يكره نفسه كل هذه الأمور يعرفها دعبس الفتفوت ويكافح ضدها أو بمقتضاها فهو يحلل نفسه ويعيد كل يوم أو أسبوع هذا التحليل ويتخذ قراراً بأن يتكلم بتأنً إذا ما لاحظ أنه يتدفق في الكلام وأن يكبح فضوله إلي رواية حكاياته ونوادره إذا ما كان نزاعاً إلي قص هذه الحكايات والنوادر ولو تطلبها الأخرون أو استملوحها لأنه بالانسياق مع رغبة القص يحتكر الحديث وهذا غير مستحب في مجلس يريد الأخرون أن يتحدثوا فيه أيضاً ولديهم مثل ما لديه حكايات ونوادر وهم يرتاحون إلي الحوار المتبادل بهدوء وعذوبة يجعل من الجلسة مجالاً لتبادل الأراء والأفكار وإلا فإن الجلسة تبوخ بما ينتاب الجالسين من ملل مهما يكن المتحدث الفرد لبقا ومهما يمكن حديثه حلواً مستساغاً فالإصغاء الطويل مثل الكلام الطويل يبعث علي الملل والإزعاج وهذا مكروه حتي ولو أخفي المستمعون هذا الكره لباقة منهم أو مجاملة أو مسايرة لمن أزعجهم كيلا تتأذي مشاعره نتيجة تأففهم ولو بغير إعلان ذلك أمامه.
إن التخبط! دعبس الفتفوت كان يتخبط متلمساً في خلواته في العزاء مما يكابد مصمماً في كل خلوة علي الإقلاع عن سلوك يراه غير قويم إلا أنه في الغداة كان يقع في المطب نفسه ويكابد من جراء ذلك المكابدة فسها ليعود إلي تصميمه كرة أخري ومكابدته كرة أخري في دوران لا نهاية له داخل دائرة مفرغة معذبة ينشد في غير جدوي الخروج منها.


وذات مساء وهو إلي مكتبه يقرأ دون أن يفهم ما يقرأ نتيجة التناذر الفكري أحس باصطفاق جناحين من حوله وبوغت علي نحو شديد الإرعاب لأن بومة كانت تحوم في فضاء الغرفة رغم أن كل ما في الغرفة مغلق وبعد أن نعقت البومة عدة نعقات حطت أمامه علي المكتب بعينيها المدورتين وأنفها المعقوف ومنقارها الحاد ورائحة نتنة تفوح منها جعلته يخاف ينفر يتقزز ثم يستجمع ما تبقي من شجاعته ليمسك بالبومة فيقتلها أو يرمي بها خارجاً أو يتخلص منها بأي شكل غير أن يده التي امتدت نحوها باندفاع لم تقبض سوي علي فراغ فقط طارت البومة وحومت ونعقت وحطت من جديد أمامه علي المكتب وكلما حاول الإمساك بها تفلتت منه دون أن تمسها كفه كأنما هي خيال لا حقيقة أو أنها أثير لا جسد أو روح لا لحم فيها ولا عظم حتي خيل إليه للحظات أن هذه البومة طائر خرافي أو جن أو شيطان أو عزرائيل الذي ينسرب إلي من يقبض روحه ولو كان في برج مشيد!

بيانات الرواية:



اسم الرواية: الرجل الذي يكره نفسه
المؤلف: حنا مينة
الناشر: دار الأداب
تاريخ الاصدار:2003
الحجم:4 ميجا بايت




تحميل رواية الرجل الذي يكره نفسه 


أشترى كتبك الورقية -توصيل لباب بيتك

رابط تحميل مباشر

رابط تحميل بديل

قراءة الرواية اونلاين








تعليقات