المستنقع لــ حنا مينه

رواية المستنقع لــ حنا مينه

في أجواء مليئة بالعذاب والقهر والحرمان، تتداعى أحداث المستنقع طفولة معذبة مشردة، وآمال مؤجلة، وآلام معجلة واستعمار وانتداب وأحكام جائرة في اجتزاء موطن الروح "اسكندرون" من القلب. سيرة طفل حنّا مينه موقعة ببدايات ثورة على النظام والظلام. لأنه لا بد للعين من أن تقاوم المخرز وتكسره في يوم من الأيام.

مقتطف من الرواية

ها نحن في المدينة!
المستنقع ليس في المدينة تماماً، بل في ضاحيتها الجنوبية، قرب مقبرة للجنود الفرنسيين الذين قاتلوا في كيليكيا أواخر الحرب العالمية الثانية ضد الأتراك، حسبما قال لنا الوالد، نقلا عن السيد الذي تقع مزرعته بحذاء المقبرة.
كان اسمه خريستو، وهو نفس الملاك الذي عملنا في حقوله غداة نزوحنا عن السويدية إلى قرية "قرة أغاش" قرب اسكندرونة، ثم تركناه لقسوته وهاجرنا إلى قرية "الأكبر" في ريف أرسوز، حيث وضعنا ثلاث سنوات متواليات.
أنا لا أدرى لماذا وكيف عدنا إليه بعد أن هربنا منه. كل ما أذكره أننا نزلنا في غرفة طينية من حوش كبير محاذ للطريق العام عند مدخل اسكندرونة من جهة انطاكية. وكان الحوش مسوراً، وعند بابه الكبير قناق السيد المبني بالحجر في طابقين، تسكن عائلته الطابق الثاني المطل على باحة ترابية حولها بيوت طينية يسكنها الفلاحون.
وقد قبلت الوالدة، دون اعتراض هذه المرة، أن تخدم في بيت السيد، وتعمل مع الوالد في الحقل، مستشعرة بعض الطمأنينة لقربنا من المدينة، حيث بإمكاني أن أذهب إلى المدرسة وبإمكانها ان ترى أختنا الخادم، وتأمن شر ذلك الضياع الذي ترسب في أجفانها خوفاً تنتفض له كلما تذكرته.
ولم أعرف للوالد عملا محدداً في ذلك المكان. كانت الأراضي سليخاً من حولنا، وكان السيد يحاول تشجيرها، ويربى الخيول والأبقار في الحوش ويخطط دون تجربة كما قال الوالد، لأنشاء مزرعة، لكنه يتخبط في كل شيء، فهو لا يستقر على رأي، ولا يقبل رأياً من أحد. ولا عمل له سوى إصدار الأوامر ونقضها، والصراخ في وجوه الفلاحين، وضربهم أحياناً.
كان قد باع أملاكه في " قره أغاش" وانتقل إلى هنا، ولا أعرف سبباً للانطباع الذي تخلف في نفسي عن خيبة هذا السيد، وشعوري بأنه قاس وسيء، وان له كرشاً بغيضاً ومخيفاً، لم ار مثله قبل الآن. لعل ذلك عائد إلى ملاحظاتي الشخصية، الناجمة عن الجدب فيما حولنا، أو من رؤيته وهو يشتم فلاحيه، أو عن أقوال الوالدين وهما يتحدثان عنه وعن شكوى الأم من فظاظته.


أما الوالد فقد كان راضياً، ولعل الخيبة هي التي جمعت بينه وبين سيده القديم، فقد كانا، ظاهرياً، على وفاق، وكان الوالد بمثابة وكيل له، وربما أقنعه أنه سائس خيل، أو مرب للأبقار، فقد كان اهتمام الوالد بها أكثر من اهتمامه بالتشجير، وكانت الوالدة تحلب البقرات مساء، ويحمل الوالد الحليب إلى المدينة، وفى النهار يعملان مع الفلاحين في الحوش والأراضي الزراعية على السواء.
أما أنا فقد كنت ألعب مع اترابي من أولاد الفلاحين تحت أشجار السرو في المقبرة المسيجة بأسلاك شائكة.
وكنا نحتال بشد الأسلاك بعضها إلى بعض، فتنفتح فجوة نمرق منها، وتحت السرر نبني بيوتاً، او نتراكض في سباق من شجرة لأخرى، أو نلعب الغميضة، وكانت المقبرة تستهويني، فارتاح إلى صمتها، والى عزيف الريح في ابر السرو، وتناثر الابر اليابسة على الأرض، حيث تتكون طبقة نستلقى عليها، أو نصغي ألي أختي وهي تحكي لنا الحكايات ونحن جلوس من حولها.

بيانات الرواية



الاسم: المستنقع
تأليف: حنا مينه
الناشر: دار الآداب
الطبعة: السابعة
سنة الطبع: 2003
الحجم: 5 ميجا بايت




روابط تحميل رواية المستنقع 




أشترى كتبك الورقية -توصيل لباب بيتك

رابط تحميل مباشر

رابط تحميل بديل

قراءة الرواية اونلاين




تعليقات